سيجارة خــــضـــــــراء
-
-
-
-
-
جلس علي الأرض , ليفترش الفقر , وعلي عينه أليسري شبح دمعه , يكبتها في عناد , رفع يده ليلوح بها إلي اللا شئ , ثم انزل يده بسرعة, ليقبض بها علي ذبابة حطت علي أفكاره , ثم اخرج ورقة خضراء من جيبه , واضحي يكسر , قطعة البنقو اليتيمة , إلي قطع صغيرة, ثم يلفها ,في الورقة الخضراء , بحنان شديد , وبط مفرط , ثم يشعلها , فانفجرت دمعة يتيمة من عينه , تسير علي خده الشمال , وترسم خط كخط الاستواء علي الوجه الحزين , كبصمة شقاء عميق .
نظر إلي الدخان المتصاعد , ورائحته الغريبة , العجيبة ,تملا انفه,ودمته المالحة تسقط علي الأرض , ليرتفع النكوتين وبقية السموم , إلي شرايين عقله , المثقل بالضياع , والدخان المتصاعد يتشكل , في صورة اكبر مخاوفه , هاجسا من نار ترعد , وهاجس التقصير , والتقطير ,
ثم اخذ رشفة من سيجارته الخضراء , بهدوء وطول نفس , ثم أطلق الدخان الحبيس , ليتشكل في صورة سحابة بيضاء , فخيل إليه انه يشهد الانفجار العظيم , ومولد الكون ثم تتشكل الدخان في صورة طفل جميل , وسيم, راقد علي فراش المرض الأبيض , يحتضن لعبته الوحيدة , يد أبيه .
ثم يتشكل الدخان الأبيض ,في صورة الابن المريض , والأب يمسك مرفق الطفل الهزيل , ييسراه , وعينه اليمني , علي عاهرة الحي ,التي تتلوي , وتهز بطنها العاري , كأنها ترقص علي نار موقدة , في مسرح كبير.
اخذ نفس طويل ,كأيامه السوداء , وحبسه في صدره , مسافة يشتهي غريق البحر , شهيق , ثم أطلقه , ليتشكل في صورة , امرأة عجوز ,جف قوماها الطويل , كأنها خشب غير متواضع يحلم , بموسم الأكل الرهيب .ورجلا يحملها برفق , وعيناه تشتهي زجاجة خمر مستورده , تجلس في شموخ علي المنضدة ذات الأرجل الثلاثية .
ثم اخذ نفس أخر وأطلقه ,والدخان طاعنٌ في السرد , يتشكل في صورة جيشان , يتقاتلان , ورجلا سيفه يقطر دما , قلبه الذي يدق بالحب مع علي , وسيفه الذي يضئ الرمال مع معاوية .
ثم اخذ نفسا , وأرسل دخانا , ليتشكل في صورة امرأة معبقة بالانوثه , معدمة ,تشتهي أجرا قليلا زهيدا , كلمات غزل واهيات كخيط العنكبوت ,وصورة رجلا يعطيها ظهره , يعبد في صنم , يشجعه علي السهر , يرفعه إلي فوق اعلي من النثر , إلي نهد , ويديه البخيلتان.عالقتان , علي قصيدة بضفائرها حمقاء .
ثم اخذ نفسا عميقا , فصارت الأرض من تحته تزحف , والطريق النائم إمامه يتلوي ,في هبوط وعلو , والدخان المتصاعد في الهواء , يضحك لتاج السلطان , وينحني فوق شفاه تنطق باسمه , ليضئ له الكلمة التالية . انتهت السجارة الخضراء .