في
شهر رمضان يتقرّب المسلم إلى الله تعالى بكثير من الطاعات، من صيام وصلاة
وذِكر ونوافل وتلاوة للقرآن، وهذه عبادات لا شك في فضلها وعظيم أجرها عند
الله تعالى، ولكن نفعها لا يتعدّى صاحبها، بيد أن هناك عبادة أخرى يتعدّى
نفعها إلى الآخرين، هي عبادة الإنفاق في سبيل الله.
النّاس يقولون:
المال شقيق الرّوح، والله تعالى في آيات كثيرة سَوّى في المرتبة بين مَن
جاهد بنفسه وجاهد بماله، والله تعالى يقول: ''إنَّ اللهَ اشْتَرَى مِن
المؤمنين أنفُسَهُم وأموالَهُم بأنّ لهُم الجنّة...'' التوبة.111
والإنسان
مفطور على حُبّ المال، قال سبحانه: ''وَإنّه لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيد''
العاديات .8 ولهذا كان إنفاق المال فيه مشقّة على النّفس وفيه مخالفة
للهوى، وكلّ ما كان الأمر فيه مشقّة على النّفس وفيه مخالفًا للهوى كان
أجره عند الله عظيم. وقد وردت أحاديث كثيرة ترغِّب في الصدقة وتبيّن فضلها،
منها بيان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّ الصدقة لا تُنقص المال بل
تزيده، كما صحّ عند مسلم من حديث أبي هريرة أنّ النّبيّ صلّى الله عليه
وسلّم قال: ''ما نقصت صدقة من مال وما زاد الله عبدًا بعفو إلاّ عِزًا وما
تواضع أحد لله إلاّ رفعه''. وإنّه لفضل عظيم أن ينال العبد الأجر العظيم
بصدقة لا تُنقص ماله بل تزيده، وفي الحديث القدسي: ''يا ابن آدم أنْفِق
أُنُفِق عليك''.
وقد بيّن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّ الصدقة من
أعظم أسباب الوقاية من النّار، ولو كانت باليسير، فقال: ''اتّقوا النّاّر
ولو بشقّ تمرة''. وفضل الصدقة عظيم، وثوابها عند الله جزيل في كلّ وقت، وفي
رمضان خاصّة ينبغي على المسلم أن يضاعف إنفاقه في سبيل الله على وجوه البر
اقتداء بالنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم الّذي كان أجوَد النّاس وأجوَد ما
يكون في رمضان، وجوده في رمضان لأسباب، كما قال أهل العلم:
1 لأنّه يتناسب مع شهر رمضان، وهو شهر تتضاعف فيه الحسنات، وترفع الدرجات بكثرة الأعمال الصّالحة.
2 ولكثرة قراءته صلّى الله عليه وسلّم للقرآن في رمضان، والقرآن فيه آيات كثيرة تحث على الإنفاق في سبيل الله.
3
ولأنّه صلّى الله عليه وسلّم كان يلقى جبريل في رمضان، وهذا من باب مجالسة
الصّالحين، ومجالسة الصّالحين تزيد الإيمان وتحثُّ الإنسان على الطّاعات.